داخل حميمية فراش الزوجية، يمكن أن يحدث بين الرجل والمرأة أشياء عديدة تؤثر على استمرارية واستقرار العلاقة الزوجية.. نفق ممنوع و»حشومة» الحديث عنه في مجتمعنا المغربي…. صفحة سوف تضيء عتمة هذا النفق، حاملة بين طياتها أجوبة وتحليلات وتفسيرات من قبل مختصين وعلماء دين وأطباء نفسانيين وعلماء اجتماع …
يعتبر الإنجاب ضرورة حتمية لكل علاقة زوجية، لكن أحيانا، يقف القدر بالمرصاد في وجه أحد الزوجين، بحرمانه من هذه الضرورة الحياتية، لتدخل هذه العلاقة في متاهات لا حدود لها، خصوصا في مجتمع يؤمن أن « الزواج الذي لا يُنجبُ أطفالا، لا يحتمل الخلود ..».
ترى كيف تكون طبيعة هذا الميثاق الشرعي، الذي يكون أحد طرفيه عاجزا عن الإنجاب؟ وما طبيعة علاقته الحميمية مع شريكه، هل ستحافظ على خصوصيتها ورونقها أم ستضعف لأنها لم تحقق غايتها وهي الإنجاب ؟ وهل يمكن للعلاقة الجنسية الزوجية أن تقاوم الحرمان النفسي والعاطفي من نعمة الأمومة عند الزوجة، ونعمة الأبوة عند الزوج؟
إنسان واحد وعقم واحد
بشجاعة وجرأة تعترف حنان، بأنها زوجة عاقر، وهو أمر لا تخجل من البوح به، لأنها تؤمن بالقضاء والقدر، وبأن لا اعتراض على مشيئة الخالق. أسماء، متزوجة منذ 5 سنوات، بعد علاقة حب جمعتها بزميل دراستها الجامعية بلغت الأربع سنوات، خططا خلالها لملامح حياتهما الزوجية، ولمستقبل أبنائهما… وحتى في اختيار أسمائهما …لكنهما لم يعلما أن هذه الأماني، ستبقى مجرد أحلام يستحيل تحقيقها على أرض الواقع. أسماء تؤكد أنه «إذا كانت العلاقة الزوجية مبنية على تواصل فكري وروحي وعاطفي بين الرجل والمرأة، فالأكيد أنها سوف تتحدى عائق العقم. هذا ما اكتشفته من تجربتي الشخصية بالرغم من أن مدة زواجي قصيرة نوعا ما، لكن خلال هذه المدة عشت أصعب تجربة، عندما تكتشف المرأة أنها عاجزة عن تحقيق دورها الأساسي في الحياة، و»كتحس أنها غُير زَيادة»، فيتولد لديها شعورا بالمرارة والضعف، إضافة إلى انهيار نفسيتها وعالمها… لكن « ربي كبير» لأنه رزقني بزوج، إنساني متفهم، غمرني بحب، والأهم أننا أصبحنا بمثابة إنسان واحد…وعقم واحد …». وتضيف بابتسامة جريئة ذات مغزى:» صراحة علاقتنا الجنسية لم تتغير بالرغم من العقم ..»
عقمي زاد من هوة البعد بيننا…
في الجهة المقابلة، هناك قصة أخرى تتعارض مع القصة الأولى. منى، متزوجة منذ 6 سنوات، زواجا تقليديا بابن شريك والدها في العمل، بعد سنة من الزواج تصدم صدمة حياتها، عندما تكتشف أنها «عاقر»… أول ما فكرت فيه وهو الطلاق، لكي لا تحرم زوجها من نعمة الأبوة، هذا الأخير الذي رفض الانفصال عنها، بل حاول إقناعها بالعدول عن موقفها، باللجوء لعائلتها للضغط عليها. لتستسلم في الأخير وتستمر الحياة، لكن هذا لا يمنع أن «عقمها» بدأ يؤثر سلبا على علاقتها الجنسية. تقول منى: « زادت هوة البعد بيننا جسديا ونفسيا وروحيا، وبات زوجي غريبا عني، وطبعا أعرف السبب وراء تصرفه ذلك، وصراحة لا أستطيع لومه، لأنه حق من حقوقه الطبيعية، وما باليد حيلة، مع العلم أنني في العديد من المرات طلبت منه أن نفترق ويتزوج امرأة أخرى، قادرة على تحقيق حلم الأبوة لديه، لكنه يرفض أن أناقش معه هذا الأمر بصفة مطلقة، والغريب أنني بدل أن أحس بالراحة، أضحيت خائفة ومرتعبة من هذا الصمت، ولا أعرف ماذا يخبئ المستقبل في طياته لحياتنا الزوجية . ..»
الجنس يساوي الإنجاب
« طلقت، بعد زواج فاشل دام لسنتين، وأستطيع أن أقول بصراحة إن هاجس زوجتي بالإنجاب، هو أحد أهم الأسباب الجوهرية التي أفشلتْ هذا الزواج». ويضيف سعيد: « في بداية زواجنا، كانت علاقتنا مستقرة عاطفيا وجنسيا، لكن بعد مرور شهرين على الارتباط بدأت فكرة الإنجاب تسيطر على تفكير وتصرفات زوجتي، بل حتى أثناء ممارسة علاقتنا الحميمية، التي أصبحت ترتبط بموعد «خصوبتها»
فقط، بدون رغبة أو متعة… وأصبح شعار حياتنا الزوجية أن» الجنس يساوي الإنجاب»…ومع مرور الوقت لم يتحقق الإنجاب. وبعد قيامنا بفحوصات عديدة، سنكتشف أن زوجتي عاقر، لتتخذ حياتنا منعطفا نحو الهاوية، وليتحول هذا العائق إلى هاجس مرضي عند زوجتي، ـ يدخل فيه القلق والغيرة والشك وقلة الثقة بالنفس، في البداية تفهمت رد فعلها وشعورها، وحاولت الوقوف إلى جانبها لدعمها، والأهم إقناعها بأن في الحياة الزوجية أسس أقوى صلابة ، قادرة على تحدي «العقم»، والدليل على ذلك أن هناك بعض الزيجات تنهار وتذبل، بالرغم من وجود الأطفال… لكنها لم تتغير ولو قليلا».
العقم قد يولد اضطرابات جنسية عند الزوجين
العلاقة الجنسية، هي المرجع الأساسي للزواج الذي بفضله تتحقق نعمة الإنجاب، من أجل الحفاظ على استمرارية الحياة الإنسانية.
> ماذا يشكل الإنجاب في الحياة الزوجية؟
نحن نعلم مكانة الإنجاب في مجتمعنا العربي، وكذلك المغربي، فالمرأة لا تتقوى مكانتها إلا بوجود أطفال من صلبها، أما في حالة العكس، فالأكيد أن عقمها سوف يشكل ضربة قوية لمكانتها كزوجة داخل أسرتها، وخير دليل على ذلك أن العديد من حالات الطلاق وانهيار كيان الحياة الزوجية سببه العقم، هذا الأخير الذي يعتبر ورقة ضغط يستعملها الرجل العربي للزواج من امرأة أخرى تكون قادرة على الإنجاب.
و للأسف مازالت عقلية هذه المجتمعات ، تلقي اللوم على الزوجة كأنها المسؤولة الوحيدة على عدم قدرتها على الإنجاب، مع أن هناك حالات عديدة يكون الزوج هو أيضا عاقرا، إما لأسباب عضوية، ناتجة عن اضطرابات هرمونية أو مشاكل في الانتصاب أو القذف أو لأسباب نفسية، إلى جانب ذلك فلا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة يجهلها العديد، حتى بعض الأطباء المختصين في الولادة، وهي أن أحيانا العقم قد يكون نتيجة وجود اضطرابات جنسية عند الزوجين.
> ما هو التأثير النفسي عند الزوجة العاقر في علاقتها الجنسية ؟
المرأة العاقر غالبا ما تصاب بحالة من الاكتئاب وفقدان الرغبة وكره ممارسة العلاقة الجنسية، لأنها تشعر أن هذه العلاقة عقيمة أيضا، مادامت لن تحقق الغاية منها وهي الإنجاب. إلى جانب ذلك فإن هذه الزوجة ستعيش حزنا وإحباطا شديدين وكذلك شعورا بالعجز خصوصا في فترة حيضها، لأنها ستحسسها بأنوثتها الناقصة. وهناك نقطة يجب توضيحها أن هذه الزوجة خلال هته الفترة لا إراديا ونفسيا، تزداد رغباتها وتكثر من ممارسة علاقات جنسية مع زوجها، احتمالا لوقع الحمل.
مع العلم أن تصرفها هذا في العديد من الحالات، قد ينعكس بالسلب على طبيعة علاقاتها الحميمية مع زوجها، الذي سيصبح مجبرا على تلبية رغباتها الجنسية، وبالتالي كثرة الضغوط عليه، قد تسبب له اضطرابات جنسية سواء كانت نفسية أو عضوية .
وهناك نقطة مهمة يجب الحديث عنها أنه أحيانا العقم عند الزوجة، قد يؤدي إلى وجود مشاكل جنسية عند الرجل.
> وبالمقابل ما هي طبيعة الاضطرابات التي تصيب الزوج العاقر؟
الزوج العاقر كما الزوجة العقيم، كلاهما في حياتهما الحميمية، يعانيان من العديد من الاضطرابات النفسية، منها القلق والإحباط وفقدان الرغبة والإحساس بتأنيب الضمير تجاه شريكه، على اعتبار أنه سيقف عثرة في تحقيق حلم الإنجاب، بالإضافة إلى هاجس الخوف من انهيار هذه العلاقة، كل هذه الاضطرابات وغيرها قد تؤزم حياتهما الزوجية وكذلك طبيعة علاقتهما الجنسية.
وبصفة عامة، يجب الإدراك أن الآثار النفسية للعقم، تترك جروحا عميقة وخطيرة في نفسية الزوج العاقر وكذلك الزوجة العقيم.
> هل معنى ذلك أن العلاقة الجنسية تفقد متعتها وروحها؟
طبعا، سوف تتغير ملامح العلاقة الحميمية بوجود أحد الأزواج غير قادر على الإنجاب، سواء عند الزوج العاقر أو الزوجة العقيم، بحيث تصبح هذه العلاقة غير مفهومة، مادامت تفتقد لهدفها وهو الإنجاب، لتتحول عند بعض الشريكين إلى علاقة ميكانيكية، بدون مشاعر وبدون فائدة، وبالتالي سوف تتزعزع قيمة ومتعة الممارسة الجنسية عند الزوجين.
ولا ننسى أيضا أن العقلية في مجتمعنا المغربي، تعتبر الجنس عملية مرتبطة بالإنجاب.
> ما دور الشريك السليم في التخفيف من معاناة الطرف الآخر النفسية ؟
هناك بعض الأزواج يعتقدون أن الإنجاب وسيلة لحل كل المشاكل، بل هو الورقة الرابحة لإنجاح العلاقة الزوجية المثالية، لكن هذا الاعتقاد ليس صحيحا مائة في المائة، لأن الزواج ليس هو الإنجاب فقط، بل هناك أسس ومشاعر أكثر صلابة وعمقا من وجود الأطفال. لذلك يجب على أحد الطرفين تقديم المساعدة المعنوية والنفسية للطرف الآخر، بكثير من الحب والاحترام والتفهم ، مع تجنب إلقاء اللوم على حالات عقم لا ذنب فيه للمبتلين به.
0 التعليقات:
إرسال تعليق