ما هي هذه المواضع؟ سؤال قد يبدو
سطحيا، يظن جميع الأزواج قدرتهم الفورية على الإجابة
عليه، فسهولته الظاهرة هي بالتحديد سبب التسرع بالرد
عليه، ولكن السؤال الذي يبدو بسيطا يستلزم تعمقا وجهدا
أكبر لمحاولة فهم طبيعة التركيبة النفسية والجسدية لشريكة
الحياة قبل ادعاء القدرة على إجابته.
هل الأذن، والعين، والأنف هي البوابات الحصرية
لمرور إشارات البريد السريع المرسل للقلب، ومنه للجسد
كله فتستدعي كافة الحواس والجوارح، لتشعل مايكفي من وقود
الرغبة لإنجاح علاقة حميمية تعطر فراش الزوجية، وتنثر
أوراق الورد الناعمة على جانبيه؟ أم أن العلاقة الحميمية
هي مجرد أداء حركي ناتج عن غريزة، بمعزل عن بوابات
الحس وكافة الأكسسوارات الرومانسية؟
العين أولا
إلتقينا زوجات عديدات لنتعرف من خلال تجاربهن في فراش الزوجية على إجابات:
اسناءب (اسم مستعار، حيث فضلت عدم الإدلاء
باسمها الحقيقي) فنانة تشكيلية متزوجة منذ خمس سنوات،
ترى أن العين، أهم أدوات الحس، وأن المسؤولية تقع على
الزوجين كليهما في العناية بالنفس وبالمظهر والإستعداد
للعلاقة الحميمية، والمفارقة في أن الزوج دائما يطلب من
زوجته أن تتزين لتكون في أبهى صورة تسر ناظريه، دون
أن يفكر أن عليه قدر ماعليها وربما أكثر، العلاقة
الحميمية يجب أن تكون نوعا من الاحتفال، ولهذا الأخير
طقوسه، والدرس نتعلمه من الطيور، فالطاووس أجمل من زوجته
الطاووسة، ولكنه يعرف بالفطرة أن جمال ريشاته، خلق من
أجل أنثاه، وأن عليه استعراض ريشاته الرائعة، وأن يقيم
معرضا فنيا بديعا يملأ به المسرح أمام عينيها ليستميل
قلبها ويثيرها لعلها تقبل دعوته لفراش عش الزوجية.
الأذن أهم
افاطمة الزهراءب مهندسة شابة لم يمض على
زواجها إلا عام واحد تقول: أذني أهم ما يؤثر في
حالتي النفسية والجسدية، إنها جهاز الإستقبال شديد
الحساسية خاصة للموجات الصوتية الخافتة، وأنا حساسة جدا
لكل كلمة، ومن حسن حظي أن زوجي يملك ترسانة أسلحة
فعالة من الكلمات الجميلة يزيدها الهمس جمالا، يسكبها
ألحانا منغمة بإذني، هو يعرف أن كلمة واحدة حادة تثير
غضبي، وأن همسة حانية تجعلني أعلن عن سعادتي الغامرة
واستسلامي الكامل، أحب أن تغرقني موجات متتابعة من كلمات
الغزل الصادقة، هذا الغرق الجميل يؤكد لي أن الحب
مازال قويا بيننا، يجعلني أحس أني زوجة، أني حبيبة،
ولست مجرد أنثى تلبي رغبة زوجها الرجل.
ولكن ماذا عن العين؟ تقاطع افاطمةب السؤال
بإجابة حاضرة كما لو كانت تتوقع السؤا : ليس للعين
أهمية الأذن في العلاقة الحميمية رغم التسليم بأهمية
كافة الحواس التي من الله سبحانه وتعالى بها علينا،
وأدلل على ذلك بأنه غالبا ماتغمض الزوجة عينيها لتحلق
في سماوات خيالية، ولتغادر حدود المكان الضيق والمحدِد
للرؤية إلى فضاء أرحب، وإغماض العينين هو تنازل طوعي
من الزوجة عن رؤية فراغ تحده جدران الغرفة، والتحليق
انتقالا من الرؤية الحقيقية إلى أخرى خيالية وسط السحاب،
بينما في الوقت ذاته تظل الأذن مستنفرة لإلتقاط أضعف
الترددات الصوتية الناقلة لأجمل مشاعر التواصل بين
الزوجين.
ولدينا انعيمةب حالة مميزة لزوجة رقيقة ناعمة،
متزوجة منذ عامين ولديها طفلة، لها رأي مختلف فتتحدث
عن حالتها قائلة: الشم أقوى حواسي، ومنذ أن كنت طفلة
كانوا ينادونني اموشةب كنت أميز رائحة الطعام وأحدد نوع
الطبخة التي أعدتها أمي وأنا مازلت على باب الدار، أحب
الروائح الزكية كثيرا وأقترب أو أبتعد عن صديقاتي حسب
اهتمامهن بالحفاظ على روائحهن الطيبة، وتضيف ضاحكة: تمنيت
أن أمتلك مصنعا للعطور أو أعمل مع بيت عالمي لصناعة
العطور، وأن تكون مهمتي إبتكار تراكيب عطرية جديدة،
تتوقف عن الضحك لتواصل بأسى حديثها فتضيف: وبعد زواجي
مازالت أنفي هي من تحدد حالتي النفسية ومدى إنقباض
نفسي أو ارتياحها، وتلك بالتحديد مشكلتي التي تنغص
علاقتي الحميمية في كثير من الأحيان، فزوجي مع مرور
الوقت ورغم صفاتة الإنسانية الرائعة لم يعد يهتم بنفسه
وهو مصاب بالتهاب مزمن بالجيوب الأنفية تعطل حاسة الشم
لديه في معظم الأوقات، فلا يعود يدرك مدى تعرقه وحاجته
للإستحمام، وأنا أنفر من رائحة عرق الجسم بشكل يجعلني
أعد الثواني لإنتهاء العلاقة الحميمية، أتمالك نفسي، ولا
أستطيع أن أنبهه لذلك خوفا على مشاعره، وأذكر نفسي
الغاضبة أن ذلك التعرق الذي ينفرني إنما هو نتيجة كده
وتعبه من أجلنا.
تأثيرات إيجابية
ولكن احنانب الطبيبة الزوجة، تركز على البشرة
بحكم إختصاصها فتشرح: الجلد هو أكبر أعضاء الجسم مساحة،
وهو غلافنا الجميل الحامي من أضرار الوسط المحيط، لذلك
فهو يستحق عناية كاملة في كل جزء فيه، غلافنا الرائع
هذا مزود في كل مواضعه بملايين من مستقبلات اللمس
وملايين من مستقبلات الحرارة وملايين من النهايات العصبية
فائقة الحساسية، كل هذه المستقبلات تعمل بطاقتها القصوى
أثناء العلاقة الحميمية التي هى في جوهرها مناجاة لحاسة
اللمس، وبشرة المرأة حساسة في كل مكان من جسدها، وهذا
ما لا يدركه الأزواج، وربما لايعلم الأزواج مثلا أن
البشرة في منطقة الكتفين والظهر وعلى جانبي العمود
الفقري وصولا إلى أسفل الظهر حساسة جدا، ويؤدي لمسها
إلى تأثيرات إيجابية في زيادة إحساسها بالسعادة والراحة
والدلال، وأن زوجها يهتم بكل جزء فيها. وعناية الزوجة
بصحة بشرتها وجمالها هي الضمانة المثلى لعلاقة حميمية
تبعث النشوة في الجسم كله، فقد تتم العلاقة الحميمية
دون تركيز بصري، فغالبا تكون تحت ظل ضوء الشموع فلا
يكون للعين من دور مهم، وقد يتبادل الزوجان بضع كلمات
فقط فلا يكون للسمع من نصيب كبير في إنجاح التفاعل
الجسدي، وبقليل من رذاذ العطر تتشبع الأنف بالأريج، ولكن
اللمس هو كل العلاقة الحميمية وما عداه من مؤثرات
تبقى فقط كالموسيقى التصويرية في خلفية المشهد، لكنها
ليست الحدث ذاته.
ولكن نادية وهي أم وزوجة في العقد الثالث من
عمرها، تضيف بعدا جديدا للمؤثرات الهامة في جسد المرأة
ذات الارتباط المباشر بالعلاقة الحميمية، فتقول لا شيء
يعادل تأثير لمس الشعر كمقدمة للعلاقة الحميمية أو
أثناءها فتمشيط الشعر بأصابع الزوج ولمس فروة الرأس
بأطراف الأصابع له عدة تأثيرات في آن واحد، يشعرني
بالطمأنينة وأن زوجي يحتويني وأنني في حمايته وتتملكني
رغبة أن يضمني لنتحد في كيان واحد، في ذات الوقت
يعيدني إلى زمن طفولتي وضفائري، ربما لشعري الكثيف
الناعم دور في ذلك فأنا أهتم به جدا، وأشرك زوجي في
اختيار لونه وتحديد طوله، هذه المشاركة تسعدني بقدر
ماتسعده، وحتى بعيدا عن العلاقة الحميمية، فإذا أصابني
أرق ولم أستطع النوم، فإن زوجي يعرف الطريقة السحرية
التي اهتدى لها وحده دون أن أخبره بها، فيدس أطراف
أصابعه بين خصلات شعري مع تلامس رقيق مع فروة رأسي،
فيتبدد الأرق ويسترخي الجسد وتنتابني قشعريرة رائعة، فتسري
السكينة في كياني كله من رأسي حتى قدمي، وفي دقائق
معدودة يغلق النوم جفوني.
وهكذا تتعدد التجارب وتختلف المؤثرات من فراش
زوجية إلى آخر، ولكن تبقى حقيقة مؤكدة مفادها أن لكل
بيت خصوصيته وظروفه الخاصة، ونجاح العلاقة الحميمية يعتمد
على الزوجين كليهما وعلى تفهم كل منهما لرغبات الآخر
وإدراك مايحبه ومايكرهه، ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالحوار
وتسلق الحواجز الفاصلة بينهما، أو حتى كسرها، عندئذ
يكون التناغم أمرا يسيرا يفيض سعادة على النفس والجسد،
ويثبت أكثر ركائز تدعم استقرار بيت الزوجية
0 التعليقات:
إرسال تعليق